في صبيحة اليوم ال1226 على بدء ثورة الكرامة
إنتخبوا رئيساً للجمهورية وسعر صرف الدولار سيهبط إلى 30 ألف ليرة! سبق للبنانيين أن إستمعوا إلى مثل هذه الفكرة النيّرة لرئيس حكومة تصريف الأعمال، يوم وقف رئيس البرلمان في بعبدا وخبّر الناس أن سعر صرف الدولار سيتراجع إلى 4 آلاف ليرة أو 3200 تحديداً!
لكن ميقاتي تقدم خطوة أمس بالكشف عن "مضاعفة" سحب الدولارات من لبنان إلى سوريا، و"خروج دولارات إلى مصر أيضاً"! دولته خبّرنا الخبرية لكن الناقص ماذا يفعل وماذا تفعل الحكومة وماذا تفعل السلطات لمنع سحب الدولارات إلى الخارج؟ يعني دور رئيس الحكومة "يخبر خبار" أو دوره بما بين يديه من سلطة، أن يحمي البلد وحقوق الناس والوضع النقدي، وعلى الأقل الإقدام على خطوات يمكن أقله أن تبطيء الإنهيار؟
لكن ميقاتي، لناحية حقوق البلد والناس، بدا كحكواتي عندما كشف عن قضية مدوية نقلاً عن ولي العهد السعودي الذي أبلغه: "هناك فريق في لبنان يتآمر على المملكة العربية السعودية، ولن نقدم أي مساعدة للدولة اللبنانية، طالما أن حزب الله يتآمر علينا ويقدم مساعدات عسكرية لمن يقاتلنا في اليمن".. وأن المساعدات مستمرة حصراً عبر الصندوق السعودي الفرنسي..طيب ماذا فعل ميقاتي لفتح الطريق أمام إمكانية تأمين الدعم السعودي والخليجي للبنان؟ يبدو لا شيء، وربما المتأني في إختيار كلماته وأفكاره قد "زلق" أكثر من اللزوم!
لنكبر قليلاً الصورة علنا كمواطنين نحسن قراءة المشهد. الللبنانيون أمام برلمان هاجسه الأول حماية السارقين ومعاقبة المسروقين في سعيه دون كلل إلى قوننة العفو عن الجرائم المالية وتحصين المدعى عليهم بالجناية في جريمة تفجير المرفأ!.. اللبنانيون أمام حكومة تصريف أعمال متعددة المرجعيات، يلتقون على قيامها بدور "الثورة المضادة"، تسلمت هذه الحكومة الحكم وسعر الصرف 18 ألف ليرة فبات اليوم 81 ألفاً! إنها حكومة طعن القضايا الوطنية وحقوق المواطنين. حكومة تبحث عن فتاوى تحبط تنفيذ قانون السرية المصرفية حماية للكارتل المصرفي الناهب، ولا يزعجها التوسع الخطير في دور "القرض الحسن" الجهاز المصرفي اللاشرعي لحزب الله! واليوم بين يدي رئيسها مهمة لافتة،هي تلبية ما طُلِب منه بإيجاد فتوى لكي يتم التمديد للواء عباس إبراهيم على رأس الأمن العام!
الأمر الأكيد أن لا عدو للبنان لديه كل هذا الحقد الذي يجمع التحالف الإجرامي بين مافيا سياسية ومصرفية مالية وميليشياوية متحكمة برقاب اللبنانيين. ما حدن يخبرنا عن عدو خارجي، فالجرائم التي طحنت البلد وأهله إرتكبت بأيدٍ محلية. كل الإنهيارات، كل النهب، كل الإذلال، كل التطاولن وكل التبعية وارتهان البلد والطعن اليومي للدستور وإستبداله بالفتاوى هي من صنع التحالف المافياوي المتسلط. مسؤولية "موالاة" نظام المحاصصة الطائفي ثابتة وأكيدة، ولن يفلتوا من الحساب مهما طال الزمن..لكنهم ما كانوا ليمارسوا هذا البطر بحق المواطنين، لولا شركائهم في "معارضة" النظام ايّاه، الذين قدموا على الدوام أولوياتهم الضيقة الفئوية والطائفية!
لكن لنتصارح. المتفرجون يتحملون الكثير من المسؤولية مثل مئات ألوف الناخبين الذين أعادوا إنتخاب كل هذا الفساد وكل اللصوص وكل المتهمين بالكبائر والذين يتحصنون بنظام "الحصانات" و"قانون الإفلات من العقاب"!
المسؤولون أيضاً هم الذين يراهنون على تجدد ثورة تشرين، ويعيشون مراوحة قاتلة بعدم الإقدام على بلورة الصيغة التنظيمية الكفاحية للبنانيين التواقين للتغيير! الصيغة التنظيمية التي من شأنها أن تجمع الشجعان الأحرار الذين تركوا بصمة تشرينية. لا بديل عن تسريع الجهود بأخذ زمام المبادرة، التي يمكن أن تُحتضن شعبياً وشبابياً ونسائياً، لأنه محال بدونها إيجاد الوسيلة الكفاحية التي تستعيد الثقة وتفتح الطريق لقيامة أخرى. قيامة ميزان قوى مختلف تحمله "كتلة تاريخية" شعبية تبلور البديل السياسي عن قوى الفساد والنهب والإرتهان.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح