في صبيحة اليوم ال1123 على بدء ثورة الكرامة.

 

سيقيم الشغور طويلاً في رئاسة الجمهورية، وسيدعم الفراغ الحكومي إجراءات وتدابير سلامة الملاحق أمام القضاء الدولي، والكارتل المصرفي، للإجهاز على بقية ودائع الناس. وسيلحق مزيد من الإذلال بالناس المتروكة إلى مصيرها. وسيتم تمسيخ مضاعف لدور المجلس النيابي، فالتعسف من جانب رئيس البرلمان لجهة الإصرار على نصاب الثلثين لجلسات إنتخاب رئيس للجمهورية يعود وفق بري إلى المادة الدستورية ال "مادي إجرها من الشباك"!
إهانة غير مسبوقة من بري للمؤسسة التشريعية، مرت وسط سكوتٍ مدوٍ للنواب، لأنه ببساطة حدّد القابضون على زمام القرار في البلد دور السلطة التشريعية بالبصم على موافقاتهم وصفقاتهم وارتكاباتهم وحماية قانون الإفلات من العقاب ليس إلاّ! وتوازياً إستسهلت أغلب "تكتل التغيير" الممارسة النيابية كقوى التقليد الطائفي بالتخلي عن ورقة القوة، وهي أن نواب التكتل حملتهم إلى البرلمان  موجة وطنية عمت لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ليكون صوتهم أكثر دوياً وتأثيراً من نواب طائفة أو دائرة إنتخابية، ف"ارتاحوا" بأكثريتهم إلى قطيعة بينهم وبين الناس!
حتى أن المطالعة القانونية البالغة الأهمية التي قدمها باسم التكتل النائب ملحم خلف، وإكتسبت بعداً دستورياً وسياسياً، حول النصاب وجلسات الإنتخاب المفترض أن تكون مفتوحة حتى إنتخاب رئيس، مع إبراز لا قانونية بدعة الثلثين في كل الجلسات ردّ عليها بري: ما بدي محاضرات؟! وكأن البرلمان جزء من حصة ال51% التي تعود للسيدة المصون! لكن هذا الموقف باسم نواب التغيير فتح بقوة ملف بدعة نصاب الثلثين، وسيكون صعباً على بري وصحبه في حزب الله خصوصاً، المضي في الجلسات دون الأخذ بعين الإعتبار الإعتراض النيابي، وإن كانت الأكثرية الساحقة من الكتل صامتة حيال هذا التجاوز، وسيكون البرلمان الذي طأطأ الرأس طويلاً أمام هذه البدعة أمام منعطف، قد نشهد معه تعليق الدعوات لجلسات إنتخابية كي يتم إنتاج تسوية مشينة في الغرف المغلقة بالإتفاق مع الخارج تجمع موالاة النظام ومعارضته!
وبالسياق، لا يجوز عدم التنبه لمحاولات المماطلة بانتخاب رئيس للبلاد، بسعي الممانعة لربط العملية بسلة تشمل رئاسة الحكومة، وجعل الأمر بمثابة شرطٍ سابق لعملية الإنتخاب! وكان ملاحظ بالأمس إنضمام النهاري سركيس نعوم إلى ما أخبار إبراهيم الأمين، للترويج إلى رئيس ممانع سليمان فرنجية يقابله رئاسة حكومة لنواف سلام. ومن موقع العارف بالأمور، نسج نعوم لقاءات لسلام مع المنظومة، بعدما أبقاه في بيروت(..) وبينها لقاءات (3) مع باسيل، ما إضطر سلام لتكذيب هذه الترهات والتأكيد على مواقفه وإشارته إلى أن آخر لقاء له مع باسيل تم قبل 5 سنوات في نيويورك بحكم منصبه كسفير لدى المنظمة الدولية!

 

لنعد إلى فولكلور الجلسة الإنتخابية الخامسة التي جاءت إجتراراً لسابقاتها، فقد إنعقدت على وقع مواقف لافتة لحزب الله كاشتراطه أن يكون الرئيس "يعترف بالمقاومة وأهمية المقاومة في الحفاظ على سيادة لبنان وحمايتها"وفق النالئب محمد رعد، وألاّ تكون له مواصفات أميركية سعودية وفق نبيل قاووق! ومنحت الجلسة ميشال معوض 44 صوتاً وتراجعت الأوراق البيضاء إلى 47 كما تراجعت أصوات عصام خليفة إلى 6 أصوات! لكن اللافت هو سرعة بروز ترشيح معوض كمناورة، فقد أعلن النائب الإشتراكي أبو الحسن : "نحن وميشال معوض عارفين إنه رايحين ع تسوية، لكن إنطقوا شي كلمة خلينا نتفق، ويمكن أن تقولوا إن هناك تخبط لديكم، ونحن عم نتخبط ومش مستحيين"!
ما تقدم يؤكد المؤكد وهو ان الفريقين موالاة النظام ومعارضته، على قاب قوسين من بدء مفاوضات التسوية فيما بينهم لإنتاج محاصصة رئاسية من شأنها تعميق الأزمة، ومضاعفة الإنهيارات التي تتقدم مع شتاء العتمة البارد. لكن ما يثير الأسئلة هو مواقف "تكتل التغيير" وأبعاد أدائه بعدما ثبّت د. خليفة ترشحه وكان حاضراً في البرلمان يوم أمس.

 

بداية تجدر الإشارة إلى تراجع عدد نواب التكتل إلى 12 بعد إلتحاق وضاح الصادق بقوى التقليد الطائفي، حيث موقعه الفعلي، وبات "نجم" الشاشات تستخدمه منظومة الفساد لتسفيه شعارات قوى التغيير، بوهم القدرة على إطفاء شعلة ثورة 17 تشرين. لكن يبقى الأساس السياسي الذي يجدربه مواجهة أكثرية الآخرين.
لقد غيّب النظام النقاش السياسي الحقيقي في البلد لإخفاء مسؤوليته عن الإرتكابات بحق الناس، وتم تغييب كل الصراع المجتمعي، وحالة التلاشي لبعض هؤلاء النواب سهلت التطبيع مع الأزمة، لجهة تغييب الهموم الفعلية للمجتمع. وبعض نواب التكتل يتصرف من موقع العارف بكل الأمور أكثر من الموجوعين. ويتناسى هذا البعض أنه مدين بوصوله لمواطنين إقترعوا ضد نظام زعامات الفساد، وأن الإنتخابات شهدت تصويتاً عقابياً ضد كل المنظومة.. والحد الأدنى من الأمانة تفترض الذهاب بالمعركة إلى الناس لتكون الرئاسيات محطة في سياق السعي لبلورة بديل عن الطبقة السياسة، التي يعود للقضاء وحده، تحديد نسبة كل فريق في عمليات النهب والإرتهان والقتل وحجم دوره في الأذية اللاحقة بالناس!
وعوض الإلتفاف بقوة حول المرشح السيادي والإصلاحي والإنقاذي عصام خليفة وتنظيم أوسع حملة لقاءات مع المواطنين في شتى أنحاء البلاد ولا سيما مع الطلاب وبالأخص طلاب الجامعة الوطنية المستهدفة، وخليفة من رموز بنائها، والتأكيد للمواطنين: هذا مرشحنا السيادي الحقيقي والإنقاذي الحقيقي وهذا برنامجه، لإستنهاض الشارع وتحريك الوضع الشعبي وفوق ذلك إكتساب ثقة وشرعية من الناس..تفرقت الأصوات، واستمعنا إلى ما أسمي plan b مع النائب ميشال الدويهي!

إن كل قيمة الورقة الرئاسية الإنقاذية للتكتل، تكمن في تضمنها المشروع السياسي: "الكتلة التاريخية" لوضع حدٍ للإختلال الوطني، الذي أتاح للثنائي المذهبي، وبقية الكومبارس السياسي، ممارسة الحكم بالبدع ومن خارج الدستور والإنتقال من قانون العفو عن جرائم الحرب إلى قوانين العفو عن الجرائم المالية(..) وثابت للقاصي والداني حجم الإستعداد الشعبي لرفع مستوى المواجهة إن توفرت الثقة. ما يقتضي إخلاصاً في أداء التغييرين لبلورة ميزان قوى آخر، يفرض البديل السياسي لنظام المحاصصة الطائفي المقيت حامي الفساد ومولده.. والأكيد أن بعض ما نشهده من تذاكٍ وتلاعب رخيص يعني أن هذا البعض غير معني أساساً  بأولويات ثورة تشرين وأهدافها، للتأسيس لمعارضة حقيقية فاعلة، نيابية – شعبية، تقدم للبنانيين البديل المقنع لنظام الفساد والإرتهان وكل الموبقات التي يتم بها حصار اللبنانيين..

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.

 

 
الكاتب والصحافي حنا صالح