"الوقت من ذهب ان لم تدركه ذهب" و "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، اقوال سمعناها ولم نعي أهميتها، لم يخطر على البال يوماً ان خنجر العمر سيطعن خاصرتي ومرور الزمن يجعلاني أقف جامدة مذهولة بأهمية الوقت وتداعياته على حياة الانسان، وما أكثر هذه التداعيات ان كانت فكرية، صحية او حتى عاطفية. لم اتخيل يوماً بأن دقائق بسيطة في موقف ما تضعني امام مرآة الحياة بأكملها لأبدأ رحلة التفكير بمفهوم الوقت وأثره على الانسان عامة وعليّ خاصة.

لا شك بأن الوقت يتحكم فينا من المهد الى اللحد، للمرة الأولى أجد نفسي أعي تماماً أهمية الوقت الذي مر والعمر الذي يركض الى الامام. كلاهما يتحكمان بحياتنا دون أن يكون لنا السيطرة على أي منهما. نحن لا نستطيع إعادة عقارب الساعة الى الوراء ولو حتى ثانية. كما لا يمكننا ايقاف الوقت لو فقط بضعة دقائق. كم مرة تمنيتم ان يعود الزمن الى الوراء لملاقاة عزيزٍ خطفه الموت من بينكم دون انذار؟ كم مرة تمنيتم أن يتوقف الوقت حيث يكون قد أبلغكم الطبيب بأن قريب يحتضر وما تبقى لديه في هذه الدنيا سوى بضعة ساعات او حتى اقل؟ الوقت متحرك دائم، لا يتعب ولا يكل. فهو كالنهر الهائج يجرف كل شيء في طريقه.

عند ولادة الانسان تبدأ ساعة التوقيت الخفية، العد العكسي. والعمر هو كناية عن عداد للوقت يسمح لك باحتساب الوقت المستغرق لوجودك على الأرض. والغريب في الموضوع بأننا نحتفل بمرور الوقت مع انه يقربنا أكثر فأكثر من النهاية. فنحن نحتفل بعيد ميلادنا سنوياً وعيد رأس السنة والاعياد السنوية لكافة مناسبات حياتنا مثل الخطوبة والزواج وسنين العمل حتى اننا ابتكرنا اليوبيل البرونزي (10 أعوام) والفضي (25 عاماً) والذهبي (50 عاماً) اجلالاً للوقت الذي مضى والذي ينذرننا بأن لا عودة الى ما مضى والسير قدماً لا محال منه.

كما لا يمكننا ان نتناسى بأن الانسان هو زائر على الأرض، وزيارته قصيرة مهما طالت، والخالق هو من وهب الانسان هذه الزيارة وحدد لكل منا المدة الزمنية الخاصة بزيارته دون ان يعلن عنها لأي كان. ومن هذا المنطلق الا يجب على الانسان حسن استخدام هذه الهبة والاستفادة منها؟! وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: كيف على الانسان ان يستغل الوقت لصالحه ويعتبر نفسه انه استفاد من النعمة الذي وهبه إياها الله؟ بكل بساطة وبقناعة اشخاص كثر وانا واحدة منهم عندما تعيش حياة سعيدة تكون قد أحسنت استخدام النعمة، أما أسباب السعادة تختلف بين شخص وأخر ويجب ان تكون حقيقية وليست وهم، والاهم ان لا تكون مبنية على اذية الاخر او اذية النفس دون إدراك. لنعتبر من الوقت الذي اضعناه في حياتنا وندرك قيمة النعمة الذي وهبنا إياها الله ونعمل لإيجاد حياة سعيدة.

كثر يعيشون بخوف غير مبرر ويصارعون الوقت باستسلام، يحاولون إدراك شيء ما دون جدوى وكأن الزمن كبلهم وأصبحوا ضحايا الاستسلام للوقت، في قلوبهم حب مخنوق لا يتنفس ويلفظ انفاسه الأخيرة. يحاولون بقصد او بغير قصد غض الروح والبصر والاحساس. انها أقسى المعارك حقاً فالشيء الوحيد الذي يتغلب على الوقت هو " الحب " " المحبة " كونه يستطيع العودة الى الوراء وينتقل الى المستقبل بسهولة. الحب يجعلنا مسيطرين على الوقت ويمكننا ترويضه واستثماره ليصبح وقت منتج.

 لست ممن يكترثون للعمر واثاره الجسدية.. الأهم ان الوقت الذي يسرق ايامي في كل لحظة لم يتمكن من اجتياز روحي لذلك سأبقى أنبض بالحب وأحث الاخرين على استهلاك مخزون وقتهم بالحب وبكل اشكاله واشيائه واحتياجاته.

هذه الوقفة وحالة الجمود التي رافقتها جعلتني استعيد نشاطي وأيقظ احلامي متناسية الوقت الذي مضى عاقدة العزم على استعمال الوقت الباقي في كل ما أحب لنفسي ولغيري ولمن أحب، اتمنى ان تلامس كلماتي قلوبكم وتعيد تذكيركم بالوقت ومدى اهميته وقيمته ولو بقي لديكم ساعة من الوقت ومهما كانت ظروفكم استخدموها لأجل الحب.. السلاح الفعال لمجابهة الوقت والفوز محتوماً، فقط.. افتحوا قلوبكم..

رويدا الخازن كاتبة لبنانية