"لا ترسم فأسًا على جذع شجرة، يؤلمها تخيّل الضربات" (مثل صينيّ)
يتذرّع هذا المقال بالشجرة، لكنّه يروم البلاد، جسدها المألوم، وخيالها الأفظع من كلّ ألم. لذا خذوني على قدّ خيالي (وعقلي)، وتصوّروا معي أنّ غابات العالم وأشجارها تتخيّل وتحلم. فماذا كانت تتخيّل، وبماذا كانت تحلم؟ تصوّروا على وجه التحديد أنّ أشجار لبنان، أنّ أرزاته وصنوبراته وشوحه وحوره ودلبه ولزّابه وسنديانه وكروم لوزه وعنبه وزيتونه (مثلًا) تتخيّل وتحلم، فماذا كانت تتخيّل، وبماذا كانت تحلم؟ هل كانت تتخيّل أنْ ينتهي الأمر بها بجبالها بغاباتها وبلبنانها إلى هذا الدرك، إلى هذا الانحطاط، إلى هذه الهاوية؟
يزعم المثل الصينيّ أعلاه الذي أهداه إليَّ أحد الاصدقاء تعليقًا على مقالي السابق (الفأس تنسى الشجرة تتذكّر) أنّ للشجرة خيالًا. هذا الخيال هو، على كلّ حال، بعضٌ قليلٌ من مواهب الشجرة ومعجزات كينوناتها الطبيعيّة والإنسانيّة والشعريّة. انطلاقًا من هذا الافتراض، يحقّ لي أنْ أتصّرف، حيال الشجرة، على نفقتي الخاصّة، من دون أنْ أكلّف أحدًا عناء بذل أيِّ جهدٍ ماديٍّ ومعنويّ، ولا تبذير أيّ وقت، ولا صرف أيّ اهتمام، ولا استعراض أيّ مشاعر. سأتصرّف على هوايَ على مزاجي على راحتي، معتبرًا أنّ القَتَلَة والفسّاق والبلطجيّة والسماسرة والقوّادين والأكثريّة الساحقة من السياسيّين (اللبنانيّين) وذوي الشأن والجاه والنفوذ والسلطة والمال والبزنس لا يعيرون الشعر، والشجرة الشعريّة، والشجرة مطلقًا، إلّا الازدراء كلّه، والاحتقار كلّه. والحال هذه، فليتركوا الشجرة (اللبنانيّة) وشأنها، وليذهبوا غير مأسوفٍ عليهم إلى الجحيم.
أذهلني المثل الصينيّ أعلاه، لأنّه يضفي على الشجرة بعدًا إنسانيًّا شعريًّا، ولأنّه يمنحها خيالًا، ولأنّ هذا الخيال يؤلمها لمجرّد أنْ تُرسَم فأسٌ على جذعها. فكرة الفأس وحدها تكفي لإضرام الألم في روح الشجرة وفي جسدها على السواء. فكيف إذا كانت الفأس جاثمةٌ على الجذع على العنق، وهي في الأهبة المتأهّبة، بل تمعن إمعانًا وحشيًّا في تعفير كرامة الشجرة؟!
هذا الوجع المألوم الذي يلمّ بالشجرة، يلمّ بخيالها. المثل الصينيّ هو شعرٌ خالصٌ يا سيّدات ويا سادة. والشعر الخالص لا يصل إلى عتبة بيته، ولا إلى مصطبته، أولئك الذين أطلقتُ عليهم تسميات، من مثل: القَتَلَة والفسّاق والبلطجيّة والسماسرة والقوّادين والاكثريّة الساحقة من السياسيّين (اللبنانيّين) وذوي الشأن والجاه والنفوذ والسلطة والمال والبزنس، وإلى آخره.
المثل الصينيّ هو مثلٌ شعريٌّ إنسانيٌّ بامتياز. لكنّي، وأنا ناظرٌ إلى (مراحيض) السياسة (اللبنانيّة)، والانتخاب الرئاسيّ، أراني أجرّ هذا المثل من رقبته جرًّا، وغصبًا عن الشجرة، للانتقام من هؤلاء. الشجرة (البلاد) أعلى من السياسة، ولا يشرّفها أنْ يُزَجّ بها فيها. وأنا، حيث أستطيع، أحبّ أنْ أهجو هؤلاء السفلة، وأنْ أشهّر بعصاباتهم الجهنّمية.
بعضهم يتمادى في المراهقة السياسيّة والوطنيّة، فلا يتورّع في غمرة تخبّطاته عن إحراج (وتفخيخ) مؤرّخٍ ومناضلٍ وطنيٍّ وفكريٍّ وثقافيّ من الدرجة الأولى، ويقول له (بلجاجةٍ صبيانيّة) نريد أنْ نرشّحكَ رئيسًا (بالقوّة، شئتَ أم أبيت). وهو يردّ محرَجًا: أنا لا أريد. لا أريد (هل يجب أنْ أتحدّى فأقول: أملك تسجيلًا بصوت الرجل؟!). أنصح لهذا البعض، ولغيره في الآن نفسه، ممّن وصلوا إلى الندوة البرلمانيّة في لحظة تمرّدٍ شعبيّ على العصابة الحاكمة: حرام هذه المحرقة. كفى مهازل ومراهقات. لا مفرّ من التعامل مع استحقاق الرئاسة بجدّيّةٍ وطنيّةٍ قصوى. وبعقلانيّة. وبواقعيّة. وبتواضع. وبتهيّب. وإلّا أنتم متّهمون بتسهيل الشغور، بتسخيف الرئاسة، وبتعبيد الطريق أمام انتخاب رئيس من 8 آذار (بل أقول بلسان أصحاب الضمير الوطنيّ إنّ بعضكم متواطئ موضوعيًّا. بل متورّط موضوعيًّا. مَن يدري!).
الفؤوس التي تؤلم جسد الشجرة اللبنانيّة وخيالها، يجب، يجب، يجب، وبالثلاث، يجب التنكيل بهذه الفؤوس المتوحّشة بهذه العصابات المنتنة، ما ملكت أيماننا وأقلامنا. إذا ليس لسببٍ، فلأجل أنْ نجنّب الشجرة (اللبنانيّة) وبلادها (والرئاسة)، ألم الخيال.
يؤلمها خيالُها (الشجرة). لو تعلمون – أيّها المجرمون - أيّ ألمٍ هو ألم الخيال!
الكاتب والصحافي عقل عويط