في صبيحة اليوم ال1100 على بدء ثورة التغيير
تذكروا جيداً أن ثورة "17 تشرين" هي البداية. كسرت الحواجز الطائفية والمناطقية والخوف، وقالت لكل الطغمة السياسية: لنا حقوق وستدفعونها! ستدفعونها ولن نسترجعها بالمساومات معكم!
نجحت الثورة، لأن الناس كانوا دوماً على الموعد. لأشهر طويلة بعد 17 تشرين 2019، وكانوا على الموعد في التصويت العقابي يوم 15 أيار 2022. في الإنتخابات العامة وحّد المقترعون التشرزم في اللوائح، واثبتوا كم أصبح عميقاً الوعي التشريني، لذا أسقطوا حملات التيئيس، كما كسروا الزعم أن الناس لا تفقه ثقافة التغيير ولن تتجرأ على التصويت الإنتقامي، وأن جُلَّ ما يتقنونه هو اللاإكتراث! وقالت الأرقام أنه بات للثورة عنوان داخل المجلس النيابي!
في يوم 15 أيار قال الناس، بأصوات أكثر من 330 ألفاً، القوة الناخبة الأولى، أن إخلاء الساحات وإنطفاء التظاهرات لم يكن تخلياً. أعلنوا الإنحياز إلى مصالحهم، التي يستحيل أن تتحق بالمساومات مع الطائفيين شركاء المنهبة والإذلال والإرتهان. وإلاّ كانوا عزفوا عن الإقتراع العقابي، وإنتخبوا الآخرين وعادوا إلى هناك حيث تهيمن عباءة الزعيم والطائفة واستنساخ الوريث ! كانوا عادوا إلى "سياديين" غب الطلب، يرون السيادة وجهة نظر على تويتر، أو في اللعي اليومي، وليس لحظة التصويت برفض الخط 29!
نسّق الناخبون وصول النواب ال13! إقترعوا للتغيير، وليس لإسمٍ بعينه، وإن نال البعض أصواتاً وازنة لافتة. وكان القاصي والداني يراهن أن ميزة هذه الكتلة من نواب الثورة ستكون الوضوح، وسيكونون الأمناء على حمل رؤى مستقبلية وخوض المواجهة بشأنها داخل البرلمان، والتركيز على المحاسبة والحقوق ومواجهة مخطط بيع أصول الدولة، والحفاظ على الهوية بحماية النسيج الوطني، وكسر إرتهان البلد!
إفتقرت الممارسة إلى الوضوح والشفافية، وتبرم البعض من إنتقادات محقة وربما إستهجنوا لغة المحاسبة. والأكيد فات ال13 وبتفاوت، التنبه إلى أن القديم الذي يحتضر سيتأخر دفنه حتى إنهاء الإختلال بميزان القوى الوطني! كما فاتهم أن نظام المحاصصة الطائفي أقوى من الدولة، وقوى اللادولة التي أسلموا قيادها إلى حزب الله وسلاحه اللاشرعي، تمتلك الكثير من مفاتيح القوة من مقدرات البلد وأجهزته وصولاً إلى بيع كاريش والخط 29 ورأس الناقورة وثروات اللبنانيين، مقابل ضخ الغاز في عروق التحالف المافياوي الذي فضحته الثورة وعرّته وكشفت لصوصيته وإرتهانه فكان التصويت العقابي!
من المزاح السمج بالتصويت إلى سليم إده، ولاحقاً "الصراع" على تبني ترشح أمثال ناصيف حتي أو زياد بارود، بعد جولة الإستشارات واللقاءات إياها، تم تجاهل حقيقة مدوية أن اللبنانيين يعلمون من بات في موقع الرمز متصدياً لمخطط هدر السيادة وإستباحتها وبيع ثروت البلد مقابل إعادة تأهيل منظومة النيترات..فتعاموا عن تبني ترشح عصام خليفة المرشح الرمز. المرشح العنوان، للإرتقاء بالمواجهة لحماية البلد وأهله، وقيم الثورة، وكذلك الإلتزام بمضمون المبادرة الرئاسية التي أطلقوها!
من المواقف الخاطئة العديدة وبعض المشاركات المذهبية النافرة وكذلك الزيارات التي رسمت الأسئلة، فإستفزت الناخبين الذين اعتبروها غير مقبولة ورفعوا بوجه أصحابها عنوان المحاسبة، إلى ما جرى في إنتخاب اللجان النيابية يوم أمس، يتظهر الخلل والتناقض وأساساً غياب الأولويات. هذا مع التنبه جيداً أن الوجود في اللجان كالوجود خارجها، نعم فتجربة الأشهر الماضية هي التأكيد بأنه مستحيل أي تغيير من الداخل مع هذه المنظومة! ويكفي القول أنه اليوم في المعركة بشأن رفع قانون السرية المصرفية، تعمدوا، منظومة العار، نسف عملية الإصلاح والمحاسبة وهمهم تحصين مرتكبي الجرائم المالية وحمايتهم!
كان على نواب الثورة التنبه إلى أن الوضوح لا يمكن أن يستمد إلاّ من الشارع فأداروا له الظهر! الشارع كان ينبغي أن يكون النصير وعنوان الضغط على المنظومة الفاسدة. لكن ما هو حاصل مشاركة في تغييب السؤال الرئيسي: كيف يحمى الإنتصار وكيف يستكمل قرار اللبنانيين بإنجاز التغيير؟ كيف يخدم أداء نواب التكتل المنحى المفصلي في المواجهة وهو إيجاد رافعة شعبية تدعم وتحمي وتحاسب وتصوب؟ وبكلمة أخرى هل يريد الناخب الذي إقترع إنتقاماً التصويت رئاسياً لأي إسم مطروح من قوى التقليد أو أشباههم ممن هم خارج البرلمان؟ الأرجح أن الخلافات داخل تكتل نواب التغيير دارت حول جزئية لا تعني الثورة ولا تعني اللبنانيين، وما حدن خبرنا أن نائباً ما كان طرحه مغاييراً!
لم تفشل الثورة، لأن الناس كسرت الحواجز، و15 تشرين هو التأكيد بأن صنّاعه كالماء التي لن توقفها سدود بل ستجد مجراها وتعيد خلال مسارها تنظيف نفسها! وما يعتري أداء بعض نواب الثورة ليس ملكهم وحدهم، فالكل سيكون أمام حتمية الرد على السؤال: ماذا فعلت بالثقة التي أعطيت لك؟
في السياق، قوى الثورة الحية، وهي موجودة، تتحمل القسط الأكبر عن هذه المراوحة والغرق في شبر اللجان أو متر تسمية مرشح رئاسة لجمهورية مخطوفة. قوى الثورة تأخرت بالمبادرة لبلورة البديل، ولا يظن أحد أن بعض تنسيقيات تركيب اللوائح الهجينة إن بدلت أسماءها أو أعادت تجميع البعض، وبينهم من فاته قطار الترشيح والتسلق، توفر البديل!
للحق أكثر من جولة! والجماعات الملتحقة بالقوى الطائفية التي حكمت البلد ونهبته وأفلسته وألت أهله ولا تزال هي آخر من يحق له التنظير ومهاجمة الثورة (ونوابها) بأنه "ما عملت شي" وأنها "مسؤولة عن الإنهيار"!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن
الكاتب والصحافي حنا صالح