اننا في زمن التضخم العالمي القادم على جواد اسود اسمه سياسات التشدد المالي التي تعصف باقتصادات الدول قوية كانت ام ناشئة وتحت رحمة لعبة أسعار الفائدة المتصاعدة يوما" بعد يوم والعملة الخضراء التي تقسو على كل العملات مضافة" بحروب القمح والحبوب والغذاء الاخذة بالاتساع حيث الجوع يهدد الكثير من الدول والحديث عن قرابة المليار جائع او مهد بنقص الغذاء في قابل الأيام، انه زمن أسعار الطاقة الاحفورية التي تجتاح كل القطاعات والخوف من شتاء قد يكون مكلفا" بكل المعاني وتحت كل الصعد خاصة بعد القرار الصيني بوقف تصدير الغاز المسال
حيث اكدت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين (الهيئة الاقتصادية الرئيسية في البلاد) انها طلبت من شركة بتروتشاينا وسينوبك وكنوك المحدودة الاحتفاظ بشحنات الشتاء للاستخدام المحلي، وعليه نحن في لحظة اقل ما يقال فيها لحظة اضطراب وضبابية في الاقتصاد العالمي؟!!! لحظات غياب اليقين والخوف النفسي والفعلي لصناع القرار والمستثمرين في آن واحد.
لقد أصبح التضخم المفرط مرئيا في الأفق، مما أجبر ذلك الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة على الدولار لا بل والاستمرار بهذه السياسات المالية من أجل خفض التضخم، أو بمعنى أصح، فإن خفض التضخم حقا بات يتطلب رفع معدل سعر الفائدة إلى قيمة تتجاوز التضخم الحالي الذي فاق 8 في المائة كما جرى أوائل الثمانينيات القرن المنصرم وقد يكون التاريخ يعيد نفسه.
وعليه نحن اليوم اما مشاهد تاريخية على غرار لحظات بيع برميل النفط بالسالب (-37) أيام اشتداد ازمة كوفيد 19 أوائل 2020 ، فماذا يعني ان نرى الذهب في اقل مستوى منذ سنتين و اليورو دون حاجز 0.97 منذ عشرين عاما" والين الأقل منذ اكثر من 24 عاما" و الجنيه الإسترليني دون مستويات تاريخية اما التضخم فعاد فإلى 40 عاما" الى الوراء، وعليه هل حان وقت قانون دولي جديد تحدث عنه الكثير من القادة في قمة شنغهاي الاخيرة ومن على منبر الأمم المتحدة، فهل اقتصاد العام واهتزازته المترافقة مع المآسي العسكرية ستشكل المدخل لولادة تعديلات العالم الجديد سياسيا" واقتصاديا"؟
وليس بعيدا" عن تلكم المآسي المتلاحقة في اقتصاد العالم فإن التقرير الدولية التي عمدت الى تخفيض نسب النمو عالميا" من 2.8 الى 2.2 وصولا الى كلام كرستينا لاغارد الأخير عن الأوضاع الحرجة للاقتصاد الأوروبي خاصة وان الحرب الروسية الأوكرانية قد تتخطى تكاليفها 3 تريليونات دولار حتى نهاية العام وكذلك حذّر ديفيد مالباس من وجود خطر حقيقي من حدوث انكماش عالمي العام المقبل، وأن قوة الدولار تُضعِف عملات الدول النامية، مما يزيد ديونها إلى مستويات مرهقة؟!!!!
وعليه الواقع يشير الى ان الركود التضخمي سيزور دول العالم وبنسب متفاوتة بحسب المرونة وصحة التعامل واختلافها من دولة الى أخرى. من هنا جاء كلام كريستليانا جورجيفا في الواضح " تُظهر آفاق الاقتصاد العالمي فرصة بمعدل واحد إلى أربعة (للركود)، وبمعنى آخر، (هناك) فرصة بنسبة 25% أن ينخفض النمو العالمي إلى أدنى مستوى تاريخي يبلغ 2% العام وأضافت أن صندوق النقد الدولي قدر أن ثلثي العالم سيشهد ربعين أو أكثر من النمو السلبي (انكماش الناتج المحلي الإجمالي).
ومع ذلك، شددت على أنه يمكن تجنب الركود العالمي إذا عملت البلدان معا" ولكن هنا نسأل جملة تساؤلات تفرض نفسها: أي دول تتعاون في زمن الصراعات المفتوحة ماليا" واقتصاديا" وعسكريا"؟ من لفقراء الدول القابعة تحت الديون وخدمة دينها(الفوائد)؟ اليس طيات الكلام تؤكد ان الاسواء للاقتصادات العالمية لم يأتي بعد وهو في الطريق؟ ماذا عن التغيرات الجيو-سياسية القادمة؟ ومن اعد لها العدة؟ ثم ماذا عن أزمات الديون في عالم تجاوزت ديونه 300 تريليون ولا أحد يضمن اين تصل الارقام مع رزم التحفيز القادمة لمعظم الاقتصادات المتراقصة على حافة الهاوية؟
ثم ماذا عن سلاسل التوريد التي تكاد تكون تحت امتحان دائم منذ ازمة كوفيد 19 وحتى اليوم؟ ربما القادم اشد مع التوترات والازمات التي تهدد كل الصين بداية من عنوان بحر الصين والعلاقات مع تايوان خاصة بعد زيارة نانسي بيلوسي الأخيرة وكلام الرئيس الصيني والرئيس الروسي والرئيس التركي في قمة شنغهاي الاخيرة حيث ارهاصات التحولات نحو نظام دولي قادم على رفات انهيار الاقتصاد العالمي والذي بات يتمظهر في احلاف جديدة وما تحولات أوبك بلس في قراراتها وان كان ظاهرها تقني الا انها تحمل ابعادا" سياسية وهذا بداية الغيث.
الأكاديمي والباحث محمد موسى