.jpg)
"أبطال" لوحة جان مارك نحّاس في معرضه الجديد في "غاليريwwy " while we,re young مار مخايل، ليسوا افتراضيّين ولا تهويميّين ولا تخييليّين. إنّهم حقيقيّون، واقعيّون، ويقيمون بيننا، وها هنا، والآن، يعيشون تحت سقف اليأس والعنف والهول والموت، لكنّهم لا يرضخون ولا يستسلمون، بل يأخذون الحياة بقوّة، ويحبّونها، ولا يتورّعون علنًا جهارًا عن تقديم لحظاتٍ وحالاتٍ تشهد لهم كيف يقتنصونها ويصطادونها ويأتون بها إلى مساحاتهم وملاعبهم وأحيازهم الشخصيّة ليحتفلوا بها.
.jpg)
بألوانٍ قليلة للغاية، ثلاثة ألوان، أربعة في الأكثر، وباقتصادٍ كثيف الدلالة، وبسطوحٍ بسيطةٍ للغاية (لكن عارفة وماكرة وذكيّة)، وبشخصيّاتٍ مستلّةٍ من واقعنا المعيش، من المتن، وهو مريرٌ ومرٌّ طبعًا، يقترح علينا الفنّان طريقةً في المواجهة الخلّاقة، تُرينا الناس وهم يمضون أوقاتهم وأيّامهم، ويتأمّلون، ويفكّرون، أو يتفاعلون، كلٌّ على طريقته، وبإيقاعاته، من دون أنْ ينمّ عنهم أيّ استعراضٍ مصطنع. لكّأنهم ينهلون أوضاعهم من الاستفزاز والسخرية حينًا، ومن اللامبالاة حينًا آخر، ومن الفجاجة والمصادمة في أحيان، غير آبهين بوحشيّة ما يعتري حياتهم من مشقّات تهدّ الجبال فكيف لا تهدّ أرواحهم الكليلة.
هم في الشارع، في الحيّز العام، على البحر، على الطريق، وفي لامكان. يطيب لي أنْ أقول إنّهم يهجون الواقع، يتحدّونه، بأشكالٍ قد تكون كاريكاتوريّةً في معنى ما، لكنّها تعتمد الهزل الأسود، والعبث الفلسفيّ، بكلّ ما تعنيه كلمتا العبث والفلسفة، الأمر الذي يحمل قارئ اللوحة إلى استكشاف الدلالات البعيدة المدى التي قد لا يتبيّن كوامنها المرء للوهلة الأولى. فلا بدّ، والحال هذه، من إنعام التأويل بغية إدراك ما قد يكون الرسّام يأمل في إيصال رسائله إلى العالم.
.jpg)
ويعنيني أنْ أقول إنّ لوحته ازدرائيّة احتجاجيّة، حيث تقول بلزوم مواصلة العيش مهما كانت الفواجع عظيمة. تأخذ هذه المواصلة مداها أمام البحر، على الشاطئ، في الصدم الهادئ، في الفجاجة، وإنْ لم تحفل اللوحة بأيّ عنصرٍ تشكيليٍّ نافرٍ يؤدّي وظيفته الإيحائيّة بالمعنى الاستعراضيّ للكلمة.
هنا امرأة، هنا رجل، هنا مايوه، هنا شرطيّ، هنا ولد، هنا برنيطة، هنا هرّة، وهنا أيضًا مسدّس. يجب أنْ تُرى هذه المكوّنات معًا وفي آنٍ واحد، ولا سيّما حيث يُستعان بمشهد الأفق، أو بما يومئ إلى البحر، أو إلى الحيّز العام. هذا كلّه مرتبطٌ ارتباطًا دلاليًّا بالعيش، وبطرائق تبذيره.
.jpg)
جان مارك نحّاس ليس همّه أن يرضي الذوق العام. بل أنْ يصفع على طريقته، وأنْ يصدم، على طريقته أيضًا، وأن يسخر، وأنْ يحبّ، وأنْ يعيش. خصوصًا أن يحبّ وأن يعيش. ينضوي جان مارك نحّاس تحت الحداثة الجديدة التي تمزج الجماليّة بالقلق، وتفدّم اللون باعتباره صدمة. هو من قلائل يستوقفنا فنّه باعتباره كمينًا، ولغمًا. أعماله من مأدبة حاضرٍ اجتماعيٍّ مؤلم يجعل منه الفنّان مسألة فنّيّة. وأعتقد أنّ معرضه لا يتوانى لحظةً عن تقديم البراهين التشكيليّة المتينة، الظاهر منها والخفيّ، رافضًا المساومة، ونائيًا عن "الغنج" الفنّيّ المتداول بكثرة، معتمدًا "الوحشيّة"، وما بعدها، لتصوير أبناء الفاجعة المهمومين، لكن الذين يمارسون الحياة.
هذا معرضٌ يأتي من مكانٍ آخر، من المكان الذي لا يُرضي، ولا يستجدي. لهذا السبب قد يصفع الزائر، وقد يخضّه، بسطوحه، بشخصيّاته، وناسه المضرّجين باللون والفجاجة وحبّ الحياة.
الكاتب والصحافي عقل العويط