في صبيحة اليوم ١٠٩٧ على بدء ثورة الكرامة
بين ١٧ تشرين ٢٠١٩ و١٧ تشرين ٢٠٢٢ اعوام ليست كبقية الأعوام. تغير كل مسار البلد، ورغم المكابرة وضعت الطغمة الفاسدة المتجبرة قدميها في بداية النهاية، وبيع كاريش والثروة والخط ٢٩ ورأس الناقورة لن يمرر تجديد نظام المحاصصة الطائفي الناهب القاتل مهما كان استنادهم الى جبروت اصحاب المصالح الطامحين من واشنطن الى باريس وطهران وتل ابيب.
لقد تم كسر الحواجز المناطقية والطائفية، وتغليب ما يجمع وهو الكثير ووضع ما يفرق في حجمه الطبيعي وما محطة ١٥ ايار الا النموذج الذي قدمه الناس عن اعتزامهم استعادة الدولة والسيادة والدستور وفرض محاسبة منظومة النيترات متى توفر للناس الادوات الكفاحية الموثوقة التي تنهي الاختلال في ميزان القوى الوطني مع قيام " الكتلة التاريخية" العابرة للطوائف .
لقد تم كسر هيبة السياسيين كبيرهم قبل صغيرهم. وفضحت مثالب صفقة التسوية الرئاسية وتصدع التحالفات التي بنيت عليها وارتكزت على تسليم قرار البلد إلى حزب الله. وبدأ إسقاط الخطوط الحمر والتأكيد أنه ما من جهة بوسعها وضع اللبنانيين أمام القوالب التي تخدم الهيمنة والتبعية !
لقد تقدمت ثقافة المحاسبة لدى المواطنين، وتظهر المعدن الحقيقي للكثرة من اللبنانيين، الذي لحظة فاض الكأس قالوا بالفم الملآن: لسنا رعايا ولسنا أتباع بل أحرار إلى آخر الزمان. وتبين كم هو عميق انخراط الشباب والنساء بالشأن السياسي، وكم هو مؤثر نمو الوعي لدى الطلاب من ثانويين وجامعيين وهو الوعي المذهل الذي تبلورعلى ضفاف الانقسام الطائفي المريض والاجرامي الذي تفاقم بعد العام 2005!
لقد تبلور ارتفاع الحس بالمسؤولية الوطنية عند شباب لبنان المعتدل والنابذ للتطرف والمدرك أن البداية التي اختارها هي وحدها طريق نهاية تحكم مافيا تحالف ميليشيا الحرب والمال المستمر منذ ثلاثة عقود!
لكن مهلاً، ما زال الطغاة في مواقعهم وعلى كراسيهم، في تحد لعيون "المتطفلين" وقبضاتهم! غير ابهين بالانهيارات وجريمة الحرب في الرابع من آب، واصرارهم على نهج الحصانات ونظام الافلات من العقاب وتعطيل المحاسبة وحجب الحقيقة والعدالة!
نعم الطغاة في مواقعهم، يرفلون بالنعم التي نهبوها من تعب الناس، والثورة على سلاحها الأمضى، الذي يمنع أخذ لبنان إلى الهاوية، ألا وهو تمسكها بنضالها السلمي في كل ساحات الوطن، وعلى رأس جدول أعمالها مهمة استعادة الدولة المخطوفة بالسلاح والفساد واستعادة العمل بالدستور، لأن في ذلك الممر الإجباري لتحقيق المطالب وصون الكرامات بالتزامن مع فرض قيام المرحلة الانتقالية لتحقيق الهدف الأسمى: إعادة تكوين السلطة! نعم قوة الثورة في سلميتها التي عزلت فائض القوة وابطلت حجج التلويح بالسلاح وأظهرت القدرة على إسقاط التهديد والوعيد بعد الترهيب!
سلمية الثورة وتصميمها هو ما أخرج من الساحات كل العفن السياسي ونتانة منظومة الفساد، وفرض استعادة الناس للفضاء العام، وسيغرز هذا المنحى المسمار الأخير في كابوس الفساد ممثلاً بمنظومة قاتلة! ومسار الثورة السلمي هو الذي أدخل الهواء النقي وحول الثقوب إلى أبواب مفتوحة، سيبقى هواء الثورة يتدفق حتى يبدد الظلمة، ويحاصر الظالمين الذين بغوا وتجبروا وارتكبوا الموبقات، ويستحيل أن يتعلموا، ويستحيل أكثر أن يتخلوا عن نهجهم الإجرامي، فكيف بالرهان على ترهات بعضهم أنهم من حملة خطط الاصلاح والانقاذ. وعلى الدين اوصلتهم الثورة الى البرلمان مسؤولية كبيرة بوقف الرهانات على انجاز اصلاحات مع زمر خجل بهم العار يوم اسموا نواب العار!
وبعد، اليوم قبل الغد، مدعوة ثورة تشرين إلى مغادرة الاكتفاء برومانسية التغني بما أنجز. لقد آن أوان أن تكون الثورة عادلة مع نفسها وعادلة حيال المؤمنين بها، والتوقف ملياً أمام حقيقة أسباب بقاء الطغاة في مواقعهم، ولو بالاستناد إلى سلاح دويلة حزب الله، والتمترس خلف القوى العسكرية والرهان أن ترهيبهم يحدد جدول اعمال البلد ومساره النهائي!
على الجديين إشغال الفكر والعقل بالبحث عن البديل الصلب والمستدام ومعركة التغيير مريرة وطويلة؟ ولما الركون إلى قدرية مفادها أن الزمن الحالي نقيض العمل السياسي المنظم، وخصوصاً العمل السياسي الأفقي، الذي يذهب إلى الناس ويبني معهم الخلايا الثابتة التي تمد الساحات بعناصر القوة؟ فيعود الهدير المحبب إلى الساحات؟
يزداد الألم ، ويتسع الجوع ويزحف الوباء، والناس متروكة والوقت كالسيف وكلما استمرت المراوحة لن يكون مسموحا لاحد آن يتفاجأ ببقاء الفاسدين على صدور اللبنانيين واتساع التوريث والاجرام !
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن من
الكاتب والصحافي حنا صالح