في صبيحة اليوم ال1085 على بدء ثورة الكرامة
الأكيد أن الإقتحامات التي طاولت بالأمس بعض فروع المصارف آيلة للتكرار. فبالنسبة للأعداد الكبيرة من المودعين الذين سلبوا جني أعمارهم، لا أولوية تفوق أولوية سعيهم لكبح التراجع المتدحرج في معيشتهم وإحتياجاتهم اليومية. السلطة تنكرت لحقوقهم وشجعت إستباحتها، وأدار القضاء الظهر للأعداد الكبيرة من الناس وأمعن بعضه في تعليق أحكام إبتدائية صدرت لمصلحة بعض المودعين، فدفع هذا الوضع الذي يتحمل المسؤولية عنه: الكارتل المصرفي الناهب والسلطة المستبدة التي تمارس التعسف بوجه الناس، إلى السعي لأخذ حقوقهم بأنفسهم، بعدما تدمرت حياتهم تحت وطأة الإحتياجات المعيشية والصحية!
ومرة أخرى إعفونا من النقاش العقيم حول قانونية الإقتحامات، فالكل يعلم أنها غير قانونية، والكل مدرك أن القانون هنا متصادم مع الحق، والسؤال الحقيقي أين كان القانون عند نهب ما يزيد عن 100 مليار دولار؟ وأين هو القانون مع سيل التعاميم الصادرة عن رياض سلامة (الملاحق أمام القضاء الأوروبي بتفهم السرقة والفساد وغسل الأموال)، الذي إبتدع سلة أسعار للصرف لحمتها وسداها تذويب الودائع بفرض "هيركات" على المواطن العادي غير المدعوم بلغ 75% ويزيد؟ والسؤال الدائم إلى متى يستمر دور السلطات في التفرج على هذه الإنهيارات والتداعيات المتأتية عنها؟ وهل يظن عاقل في السلطة(إن وُجد) أن البلد سيعرف الحد الأدنى من الإستقرار إن بقيت قضية الودائع دون حل؟ ودون خطوات تمنح المودعين بعض الطمأنينة؟
٢- تراجع قليلاً مناخ الإبتهاج بإنجاز مسودة الترسيم التي بنيت على تنازلات لبنانية عن الخط 29 خط السيادة والثروة، وسلم لبنان إلى الجانب الأميركي ملاحظات على المسودة بعدما وجد الفريق الرسمي نفسه أمام إستحقاق إقتسام عائدات "حقل قانا" مع إسرائيل، بما يحمل ذلك من رضوخ للشروط الإسرائيلية، فكانت التخريجة بعد "التشاور" مع حزب الله، الموافقة أن تكون عائدات إسرائيل من حصة شركة التنقيب الفرنسية "توتال" والتي تقدر بنحو 40%! لكن السؤال الحقيقي ما مصلحة "توتال" بالتنازل عن جزء من حصتها؟
وتمثلت المسألة الأخرى في المطالبة بالفصل بين الترسيم البحري والحدود البرية، أي أن الحدود البرية تبقى كما هي مع نقطة الإنطلاق رأس الناقورة، إلى رفض لبنان الإلتزام بالطلب الإسرائيلي إعتماد خط الطفافات المتحركة..ويضيفون في المقرات أن الملاحظات لن تعيق الإتفاق(..)، لكن منحى التهريبة متواصل فما من نية حتى الآن لإطلاع المجلس النيابي على التفاصيل التي يحتجزها حزب الله وفريقه!
بالنهاية ستبقى الأمور رهن التجاذبات الإسرائيلية، فقد بات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل أبرز عناوين المعركة الإنتخابية والصراع بين التحالف الحكومي برئاسة يئير لابيد وزعيم الليكود نتنياهو، والأرجح أن توقيع الإتفاق آيل لبعض التأخير خلافاً لرغبات المفاوضين اللبنانيين!
٣-التأليف بين هبة باردة وهبة ساخنة. في الوقت القاتل عاد جبران باسيل لممارسة كل أنواع التصعيد مطالباً بتغيير كل وزراء فريقه إلاّ وزير الطاقة وليد فياض. وبالتحديد يريد تغيير وزراء العدل والدفاع والسياحة والشؤون الإجتماعية.. ويريد إحلال وزراء من "صقور" التيار لمواجهة ميقاتي في مرحلة الشغور الرئاسي.. وهذا المنحى رفضه نجيب ميقاتي، لأنه يفتح الباب أمام مطالبات مختلفة ويعقد الوضع المعقد أصلاً، ويبدو أنهم ينتظرون كلمة حزب الله حامل الأختام! غير أن الثابت أن كل أطراف التركيبة الحكومية ينطلقون من مسلمة الشغور في الرئاسة وأن عون سيغادر القصر بعد ظهر يوم 31 تشرين الأول قبل إنتخاب رئيس جديد!
٤- هنا نفتح مزدوجين للإشارة إلى أن الثنائي جعجع وجنبلاط يعملان إلى رفع "السكور" الذي يمكن أن يناله ميشال معوض، إن تأمن نصاب ال86 نائباً في الجلسة المقبلة لإنتخاب رئيس جديد. ولفت الإنتباه أسئلة طرحها جنبلاط، بعدما أبدى دهشته من إختيار تكتل التغيير إسم سليم إده ( منين جابوا)، ومن الأسئلة ما هو موقف ميشال معوض من القرار الدولي 1559؟ وهناك أسئلة إضافية عن موقف معوض حيال الإنهيار المالي؟ وما يقال أنه خطة تعافي؟ وموقفه يجب أن يكون واضحاً حيال مصير الودائع المنهوبة؟ فالمسألة تطال أكثر من 750 ألف أسرة لبنانية أي أكثر من 60% من اللبنانيين.
بعبارة أخرى وسط كل هذا الإنهيار والمنهبة، والإرتهان للخارج، وبعد ثورة "17 تشرين" التي عرّت كل منظومة النهب والإجرام والإرتهان، كل مرشح لرئاسة الجمهورية مطالب بإعلان رؤيته وبرنامجه وكيف يرى الأولويات لإنتشال البلد وحماية مصالحه والزود عن حقوق أهله.. وفيما من غير المعروف ما إذا كان إده مستمر كمرشح ولا أحد يعرف له اي رأي في أي مسألة، فما هو عليه معوض اليوم معروف وغير مشجع! لقد صوت النائب ميشال معوض في المجلس النيابي ضد الخط 29، أي ضد السيادة وحقوق لبنان في ثروته، ملتزماً بذلك توجهات الأكثرية النيابية التي رضخت لصفقة خارجية، ولم تكن مواقفه من الإنهيار المالي والإجتماعي والمعيشي بعيدا عن دعم الكارتل المصرفي! وليكن واضحاً أنه لا مصلحة للبنانيين بوصول مرتهن لحزب الله أو من تعد مواقفه كلها "لعم"! لا بديل عن الشفافية ولا بديل لنواب الثورة عن قلب المسار بالذهاب إلى الشارع، إلى الناس الموجوعة، فالإستحقاق الرئاسي مسألة تعني كل اللبنانيين.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح